الخطايا العشر القاتلة في التحكيم
في كثير من الأحيان، يحاول صائغ بند التحكيم اختراع العجلة من جديد. فهناك بالفعل بنود للتحكيم تم اختبارها عبر الزمن وأثبتت فعاليتها، ومن السهل تعديلها بما يتناسب مع العقد الذي يرغب الطرفان في الدخول فيه. وعندما يبتعد الصائغ عن استخدام الصيغ المستقرة لبند التحكيم، يرتكب ما يمكن تسميته "بالخطايا العشر القاتلة في التحكيم". ورغم أن من الصعب تحديد ما يمكن أن يكون عليه بند التحكيم الكامل، لا يكون الأمر كذلك بالنسبة إلى تحديد العيوب المهمة التي تعد بمثابة خطايا قاتلة في بند التحكيم. وسنحاول فيما يأتي التعرف على هذه الخطايا.
1. المراوغة equivocation
يكمن جوهر هذه الخطيئة في عدم رغبة الطرفين، أو أحدهما، في أن ينص بند التحكيم صراحة على اتفاق الطرفين على الخضوع الإلزامي للتحكيم. ولأن العقد شريعة المتعاقدين، فإذا لم يكن هناك اتفاق بين الطرفين على الخضوع للتحكيم، لا يمكن أن يكون هناك تحكيم.
مثال:
• في حالة حدوث نزاع، يتعهد الطرفان باللجوء إلى التحكيم، ولكن في حالة التقاضي، يكون لمحكمة ××× اختصاص حصري. |
• In case of dispute, the parties undertake to submit to arbitration, but in case of litigation the … Court shall have exclusive jurisdiction. |
وفي هذا المثال، لا يُلزم هذا البند الطرفين بأي شيء سوى بقضاء سنوات من التقاضي في محاولة حل أي نزاع قد ينشأ بينهما. وهذا هو الكبريت الذي يهدد الصائغ الذي وضع هذا البند في عقد موكله. فالموكل سيقضي أبد الدهر وكل ما لديه من مال في محاولة حل النزاع!
ولأن من غير الممكن التنبؤ، وقت صياغة العقد، بطبيعة أو سبب النزاع الذي يمكن أن يحدث بين طرفيه، يجب صياغة بند التحكيم صياغة شاملة بحيث تغطي "أي نزاع أو جدل أو خلاف من أي نوع ينشأ بين الطرفين فيما يتعلق بالعقد". وتغطي عبارة "فيما يتعلق بالعقد" أي سبب للنزاع، سواء كان بسبب تفسير العقد أو تطبيقه أو تنفيذه، ومن ثم، لا داعيَ لقصر أسباب النزاع على تلك الحالات فقط.
وينبغي أن يكون الهدف الأسمى لكل من يصوغ بند التحكيم هو صياغة بند يساعد الطرفين، في حالة نشوب نزاع بينهما، في الحصول على حكم تحكيم بدون اللجوء إلى المحاكم. ومن ثم، فإن أول شيء ينبغي على الصائغ أن يتأكد منه هو أن اللجوء إلى التحكيم لتسوية النزاع بين الطرفين "وجوبي" لا "جوازي"؛ وبعبارة أخرى، يجب تجنب صياغات مثل "يجوز تسوية أي نزاع ينشأ بين الطرفين بطريق التحكيم".
وبدلا من ذلك، استخدم عبارات مثل "يُحال إلى التحكيم أي نزاع ..."، أو "يتم الفصل بطريق التحكيم في أي نزاع ...."، أو "يخضع الطرفان للتحكيم في حالة نشوء أي نزاع بينهما".
وكذلك، يجب أن يكون التفويض قسرياً لا اختيارياً؛ ومثال للتفويض الاختياري، عبارة "أي نزاع .... يتم الفصل فيه بطريق التحكيم الخاص أو طبقاً لقواعد ....."، إذ قد يؤدي استخدام حرف التخيير "أو" في المثال السابق إلى إهدار الوقت والجهد وزيادة تكاليف تسوية النزاع دون مبرر.
ولتجنب اللجوء إلى المحاكم، يجب أيضا أن ينص بند التحكيم على أن حكم التحكيم نهائي وملزم للطرفين ولا يجوز استئنافه أو الطعن فيه أمام المحاكم.
2. الإهمال inattention
كل من يتعامل بانتظام مع التحكيم سمع دون شك مرارا من يقول "لم يهتم أي أحد بصياغة بند التحكيم الاهتمام الواجب" مشيرا إلى أن الطرفين بعد أن اتفقا على كافة التزاماتهما التعاقدية قررا في الساعة الثانية صباح اليوم الذي وقعا فيه العقد إدراج بند التحكيم، وعندئذ، نسخا أول بند للتحكيم وقعت عيناهما عليه ووضعاه في العقد!
ويُقصد بخطيئة الإهمال في صياغة بند التحكيم، صياغة بند تحكيم دون إبداء الاهتمام الكافي بالمعاملة التي يتعلق بها. وهذا الأمر محفوف بالمخاطر. إذ أن بند التحكيم ينبغي تصميمه بحيث يلائم ظروف المعاملة واحتياجات موكله. ويجوز للصائغ أن يختار بندا نموذجيا "من على الرف" أعدته مؤسسة تحكيم مرموقة، ولكن ينبغي أن يتم هذا الاختيار بعد التأكد من أن ذلك البند النموذجي ملائم للمعاملة محل البحث.
وعندما يبدي المحامي الرأي لموكله بشأن بدائل تسوية المنازعات ويقرر نوع البند الذي ينبغي اختياره، ينبغي على المحامي أن يسأل: ما البديل الأكثر ملاءمة للموكل وللمعاملة؟ وعليه أن يوضح لموكله، أنه رغم المزايا المعروفة للتحكيم، فإن موكله يتنازل باختياره التحكيم عن بعض الحقوق التي منحها القانون للمتقاضين؛ مثلا، حق استئناف الحكم.
وقد يكون من الأفضل، إذا كانت علاقة الطرفين مستمرة، أن يتم اللجوء أولا إلى الوساطة أو التفاوض قبل اللجوء مباشرة إلى التحكيم. ومن ثم، يمكن النص على خطوات تسبق اللجوء إلى التحكيم.
وفي العقود التجارية الدولية، ينبغي على الصائغ أن يضع في اعتباره الدولة التي من المرجح أن يتم فيها إنفاذ حكم التحكيم؛ على سبيل المثال، التي توجد فيها أصول الطرف الآخر، ويبحث ما إذا كانت تلك الدولة طرفا في اتفاقية نيويورك لسنة 1985 الخاصة بإنفاذ أحكام التحكيم الأجنبية التي تلزم الدول الموقعة عليها بتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية. وكقاعدة عامة، ينبغي أن يتم التحكيم في الدولة الطرف في أي من الاتفاقيتين.
وإذا اختار الطرفان مكاناً التحكيم في دولة لم توقع على اتفاقية نيويورك ، فإن هذا قد يؤثر على فرص إنفاذ حكم التحكيم بعد إصداره، وعلى مدى السيطرة القضائية عليه.
وقد يأخذ الإهمال شكل تحديد إجراءات متعارضة أو غير واضحة في بند التحكيم. في إحدى القضايا، نص بند التحكيم على ما يأتي ”أي نزاع ينشأ حول هذا العقد يُحال إلى التحكيم، على أن يتولى التحكيم محكمون تعينهم غرفة التجارة الدولية في جنيف طبقا لإجراءات التحكيم الموضحة في القانون المدني الفرنسي، مع مراعاة قانون مكان التحكيم.“
وفي قضية أخرى، نص بند التحكيم على اتباع إجراءات المحكم التوافقي الأوحد umpire طبقا لقواعد غرفة التجارة الدولية (التي تأخذ بنظام هيئة التحكيم المشكلة من ثلاثة محكمين). وفي هذه القضية، رفضت الغرفة إدارة التحكيم.
3. السهو (البند الناقص) omission
يرتكب الصائغ، الذي يغفل عن إدراج عنصر مهم (أو حتى مفيد) في بند للتحكيم، خطيئة السهو. ومثال ذلك، صياغة بند تحكيم لا ينص صراحة على مكان وإجراءات التحكيم.
مثال:
• تُحل أية نزاعات تنشأ عن هذا العقد، نهائيا، بطريق التحكيم المُلزم. |
• Any disputes arising out of this Agreement will be finally resolved by binding arbitration. |
قد يكون هذا البند نافذا لأنه يوجب على الطرفين بوضوح اللجوء إلى التحكيم لحل أية نزاعات تنشأ بينهما، لكنه لا يحقق الهدف المرجو من بند التحكيم؛ وهو حل النزاع بعيدا عن المحاكم. وما لم يتفق الطرفان على العناصر الأساسية في بند التحكيم، فسيضطران حتما، إن آجلا أو عاجلا، إلى اللجوء إلى المحاكم.
ويمكن أن يؤدي بند التحكيم الناقص إلى حدوث تأخيرات في التوصل إلى تسوية، وربما، إلى اتخاذ قرارات لا يتوقعها كلا الطرفين، أو أحدهما. وعلى سبيل المثال، يمكن حدوث تعقيدات كثيرة إذا لم يتفق الطرفان على القانون واجب التطبيق على الإجراءات. ومثال ذلك، أن يسمح القانون واجب التطبيق بإجراءات غير معروفة لأحد الطرفين، مثل إجراءات الكشف عن الأدلة discovery procedure، أو الاكتفاء بتقديم إفادات خطية وعدم السماح بالاستماع إلى الشهود، أو بتوجيه الأسئلة إلى الشهود من هيئة التحكيم وليس من الأطراف. ومن المهم أن يتفق الطرفان على طريقة تعيين الخبراء وطريقة عملهم حتى لا تحدث تأخيرات وتعقيدات غير ضرورية.
وكذلك، يمكن أن يؤدي، أيضاً، عدم تحديد القانون واجب التطبيق على موضوع الدعوى إلى مفاجآت لم تكن في حسبان أطراف النزاع. ومثال ذلك، في حالة التحكيم طبقاً لقواعد غرفة التجارة الدولية، تعتبر هيئة التحكيم مفوّضة بتطبيق "قواعد القانون" التى تراها مناسبة دون أن تضطر إلى أن تشير إلى أى تعارض بين قواعد القوانين أو إلى اختيار أى قانون وطنى (المادة 17-1 من القواعد المعدلة لغرفة التجارة الدولية). ومن ثم، من المهم فى حالات معينة أن يحدد الأطراف، في العقد الذي يحتوي على بند تحكيم يستند إلى قواعد الغرفة، القانون واجب التطبيق على موضوع الدعوى أيضاً.
وفى إجراءات التحكيم الخاص، أو التحكيم بموجب قواعد اليونسيترال، يجب أن يحدد العقد الجهة المنوط بها تعيين المحكمين. وإذا لم يحدد العقد هذه الجهة، تنص أغلب القوانين الوطنية على أن تتولى تعيينهم محكمة وطنية.
وإذا لم يحدد الأطراف مكان التحكيم، فقد تحدد هيئة التحكيم، في حالة التحكيم الخاص، أو مركز التحكيم، في حالة التحكيم المؤسساتي، مكاناً للتحكيم لم يكن يتوقعه الطرفان. وستطبق على التحكيم، في هذه الحالة، القواعد الإجرائية الآمرة الخاصة بقانون الدولة التي سيعقد فيها. ومن الممكن، أيضاً، إقناع المحكمة بتولى الاختصاص على أساس أن القانون الذى يسرى على القضايا الموضوعية فى النزاع هو قانون الدولة التى توجد بها تلك المحكمة ، أو على أساس أن المدعى يدخل ضمن اختصاص المحكمة، ومن ثم، يمكن إجباره على تنفيذ أوامرها.
ويمكن أن يؤدي بند التحكيم الذي لا يحدد لغة التحكيم، أيضا، إلى حدوث مشكلات لا تقل عن تلك التي تحدث بسبب عدم تحديد مكانه. وينبغي عدم التقليل من أهمية تحديد لغة التحكيم، إذ إن ذلك قد يؤدي إلى تكبد الطرفين تكاليف كبيرة نتيجة لترجمة كميات هائلة من أوراق القضية ناهيك عن التأخير في التوصل إلى التسوية والمخاطر التي قد تنجم عن عدم دقة الترجمة. وهناك اعتقاد خاطئ مؤداه أن لغة التحكيم، عادة، هي لغة العقد، لكن ذلك ليس صحيحاً لاسيما إذا كانت المراسلات المتبادلة بين الطرفين مكتوبة بلغة أخرى غير لغة العقد (انظر المادة 15-3 من قواعد غرفة التجارة الدولية). ومن المؤسف حقاً، أن اللغة العربية قلما يتم اختيارها لغة للتحكيم حتى في الحالات التي يكون فيها طرفا التحكيم عربيين ومكان تنفيذ العقد في دولة عربية.
وعند صياغة كل عنصر من عناصر بند التحكيم السابقة، ينبغي مراعاة الدقة والوضوح، الواجبة مراعاتهما في الصياغة عموماً. وعلى سبيل المثال، عند تحديد القانون واجب التطبيق، يجب مراعاة ما إذا كان الطرفان يوافقان، أو لا يوافقان، على سريان أي تعديل لاحق له. وبالطبع، قد يفضل الطرفان، أو أحدهما، استبعاد أية تعديلات لاحقة تطرأ على ذلك القانون. ومن ثم، من الأفضل أن ينص البند على استبعاد أية تعديلات لاحقة للقانون واجب التطبيق. ومثال آخر على عدم الوضوح الذي ينبغي تجنبه، تضمين بند القانون واجب التطبيق اتفاق الطرفين على مراعاة "القواعد التجارية الدولية المرعية". إن هذه العبارة تفتح الباب على مصراعيه أمام تفسيرات ومجادلات لا حصر لها.
ويجب فصل أي أحكام بخصوص الأساليب البديلة للنزاعات عن بند التحكيم، وعدم السماح لها بأن تؤثر في فاعلية الأحكام المتعلقة بالتحكيم.
وفيما يلي، العناصر الأساسية التي ينبغي إدراجها في بند التحكيم:
1. إقرار التحكيم كوسيلة لحل النزاع بين الطرفين.
2. الاتفاق على أن حكم التحكيم نهائي وملزم.
3. تحديد نطاق بند التحكيم.
4. إقرار إما قواعد مؤسساتية أو قواعد خاصة للتحكيم.
5. تحديد عدد المحكمين.
6. تحديد أسلوب اختيار المحكمين.
7. تحديد مكان التحكيم.
8. تحديد لغة التحكيم.
9. إجازة استصدار حكم من المحكمة لإنفاذ حكم التحكيم.
10. تحديد طريقة الإخطار.
11. تحديد القانون واجب التطبيق.
4. الإفراط في التفاصيل over-specificity
على عكس خطيئة "السهو"، يرتكب الصائغ خطيئة "الإفراط في التفاصيل" عندما يحشو بند التحكيم بتفاصيل ثانوية غير مهمة لموضوع المعاملة محل العقد. وأحيانا، يتولى الصائغ مهمة صياغة بند التحكيم على أنها تمثل تحديا لإظهار قدرته على اختراع أكبر قدر من الشروط. وما يثر المفارقة، أن هذا الأمر غالبا يؤدي إلى وجود بند تحكيم يصعب جدا إنفاذه.
مثال:
• يُجرى التحكيم بواسطة ثلاثة محكمين؛ يجب أن يكون كل منهم ضليعا في اللغة المجرية، وله خبرة عشرين سنة أو أكثر في تصميم برمجيات الكمبيوتر، وأن يكون أحدهما، الذي سيرأس هيئة التحكيم، خبيرا في نظام القانون العام. |
• The Arbitration shall be conducted by three arbitrators, each of whom shall be fluent in Hungarian and shall have twenty or more years of experience in the design of computer software, and one of whom, who shall act as chairman, shall be an expert on the common law. |
وفي إحدى القضايا، قالت المحكمة ”إن الشيطان ليعجز عن العثور على محكم إيطالي الجنسية، يتحدث الإنجليزية بطلاقة، ويحمل درجة الحقوق من جامعة فرنسية، وعلى اطلاع جيد بعقود التشييد في الشرق الأوسط.“
ومن حيث المبدأ، يعد خطأ كبيرا الإفراط في وضع تفاصيل غير ضرورية في بند التحكيم. فعندما يحتوي بند التحكيم على تفاصيل مفرطة، يمكن أن يؤدي ذلك إلى صعوبة، بل استحالة، إخضاع النزاع للتحكيم عندما ينشأ. وربما يفسر ذلك لجوء معظم المحامين إلى الاكتفاء بإدراج بنود التحكيم النموذجية على أساس أنه تم اختبارها في المحاكم وتؤدي الغرض منها.
5. التوفعات غير الواقعية
تتلازم مع خطيئة "الإفراط في التفاصيل"، خطيئة "التوقعات غير الواقعية". وفي هذه الخطيئة، يضع الصائغ، غالبا، مهلا زمنية غير واقعية لإجراءات التحكيم. ومن المهم عدم تحديد مهل زمنية قصيرة للمحكمين للانتهاء من إجراءات التحكيم، لأن هذا قد يؤدي إلى انتهاء تفويض المحكمين قبل أن يتمكنوا من إصدار قرارهم.
في إحدى القضايا، حُددت مهلة زمنية (3 شهور) للمحكمين لإصدار قرارهم بدءا من تاريخ اتفاق التحكيم، ”على أنه يجوز للطرفين تمديدها أربع مرات فقط“، لكن أحد الطرفين رفض تمديد المدة، فقضت هيئة التحكيم بانتهاء تفويضها.
مثال آخر:
• يعين المحكم محكمه وقت بدء الإجراءات. ويعين المحتكم ضده محكمه في غضون سبعة (7) أيام، ثم يعين المحكمان المعينان المحكم الثالث، الذي يرأس هيئة التحكيم، في غضون سبعة (7) أيام من اختيار المحكم الثاني. وتبدأ جلسات المرافعة الشفهية في غضون خمسة عشر (15) يوما من اختيار المحكم الثالث، وتنتهي بعد ثلاثة (3) أيام. ويصدر المحكمون قرارهم في غضون سبعة (7) أيام من انتهاء جلسات المرافعة الشفهية. |
• The claimant will name its arbitrator when it commences the proceeding. The respondent will then name its arbitrator within seven (7) days, and the two so named will name the third arbitrator, who will act as chair, within seven (7) days of the selection of the second arbitrator. Hearings will commence within fifteen (15) days of the selection of the third arbitrator, and will conclude no more than three (3) days later. The arbitrators will issue their award within seven (7) days of the conclusion of the hearings. |
وبصفة عامة، يبدأ حساب المدة المحددة للتقدم بالمطالبة موضوع النزاع من التاريخ الذى تنشأ فيه. وتبدأ إجراءات التحكيم من التاريخ الذي يتلقى فيه المحتكم ضده "إخطار التحكيم" Notice of Arbitration أو "طلب التحكيم" Request for Arbitration (قانون اليونسترال، المادة رقم 3). ويبدأ حساب الفترات الزمنية من التاريخ الذي يعقب اليوم الذي تم فيه تلقي الإخطار أو التبليغ أو الإنذار أو الاقتراح (قانون اليونسترال، المادة رقم 2-2). ويمكن أن يتم حساب تلك المدة بموجب أحكام ينص عليها العقد أو القانون، أو كلاهما معاً. ويهدف تحديد المدد الزمنية إلى ضمان تقديم المطالبات وقتما تكون الأحداث حاضرة فى أذهان الأطراف المعنية وكذلك إلى وضع حد للشكوك، وتقليل نفقات التحكيم والتقاضى. ويعتبر تحديد مدة زمنية للتقدم بطلب التحكيم أمراً مفهوماً ومنطقياً، إذ إنه من الممكن أن تضيع المستندات والأدلة أو تتلف؛ ويمكن أن ينتقل الشهود إلى العمل بوظيفة أخرى أو السفر لدولة أخرى، وتضعف الذاكرة بمرور الوقت.
وتنص المادة (67-1) من "الشروط العامة" للفيديك على إحالة المنازعات إلى المهندس للفصل فيها وفقا لما ينص عليه العقد. وإذا لم يقبل أحد الطرفين القرار، فعليه أن يخطر المهندس، فى غضون 70 يوماً من صدور قرار المهندس (أو من عدم إصداره القرار خلال المدة المطلوبة)، باعتزامه البدء فى اجراءات التحكيم فيما يتعلق بموضوع النزاع. وبمجرد توجيه هذا الإخطار، يبدأ حساب المدة الزمنية المنصوص عليها فى العقد. ومع ذلك، إذا لم يتم توجيه الإخطار المطلوب خلال المدة الزمنية المحددة، يثور سؤال حول ما إذا كان المدعى قد فقد جميع حقوقه، أو أنه قد فقد حقه فى اللجوء إلى التحكيم فقط. وتعتمد الإجابة على هذا السؤال على معرفة ما ينص عليه القانون واجب التطبيق على العقد.
وغالبا، يختار الأطراف إما محكماً واحدًا أو هيئة من ثلاثة محكمين. ويتميز اختيار المحكم الواحد بسهولة تنظيم المواعيد الخاصة بالاجتماعات أو جلسات الاستماع، وبالاقتصاد فى التكلفة، وبسرعة التوصل إلى قرار للفصل في النزاع. ومن عيوب هذا الاختيار، أنه لا تكون هناك فرصة لإجراء مناقشات ومشاورات متعمقة حول موضوع النزاع. ورغم أنه يمكن للطرفين الاتفاق معاً على اختيار محكم بعينه، فإن ذلك نادر الحدوث عملياً. وغالبا، يتولى اختيار المحكم شخص آخر أو جهة أخرى نيابة عن الأطراف، وبالتالي، يُحرم الأطراف من اختيار المحكم بأنفسهم. وتنص قواعد غرفة التجارة الدولية على أنه إذا اتفق الطرفان على تعيين محكم واحد، ثم أخفقا فى تعيينه خلال 30 يوماً من تلقى الطرف الآخر طلب إجراء التحكيم، تقوم محكمة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية بتعيينه.
وعلى عكس ذلك، فإنه في حالة اختيار هيئة تحكيم من ثلاثة محكمين، يكون من حق كل طرف تعيين محكم، ويختار المحكمان المحكم الثالث، وتكون هناك فرصة أكبر لمناقشة موضوع النزاع بشكل مكثف. ولذلك، ما لم يكن المبلغ المتنازع عليه صغيراً وما لم تكن هناك فرصة لاتفاق الطرفين على محكم بعينه، يفضل الأطراف، غالباً، تشكيل هيئة من ثلاثة محكمين. وتعكس قواعد تحكيم اليونسترال هذا الاتجاه، إذ تنص على أنه، ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك، يتم تعيين ثلاثة محكمين (المادة "5").
ورغم أن تكلفة هيئة التحكيم المشكلة من ثلاثة محكمين ستكون أكثر من نظيرتها المشكلة من محكم واحد، فضلاً عن أن الحصول على قرار تحكيم من ثلاثة محكمين سيستغرق بصفة عامة وقتا أطول من المدة التى سيستغرقها قرار التحكيم الصادر من محكم واحد، فمن المرجح أن تكون هيئة التحكيم المشكلة من ثلاثة محكمين أكثر إقناعاً للأطراف، ومن ثم، يزيد احتمال قبول الأطراف لحكم التحكيم.
6. الحنين إلى التقاضي litigation envy
أحيانا لا يستطيع صائغ بند التحكيم التخلي عن فكرة الغطاء الآمن للتقاضي. ويترتب على ذلك صياغة بند تحكيم وفق قواعد التقاضي. وتسمى هذه الخطيئة "الحنين إلى التقاضي" litigation envy.
مثال:
• يُجرى التحكيم وفق القواعد الاتحادية للإجراءات المدنية المطبقة في محكمة جنوب القاهرة الكلية، ويتبع المحكمون قواعد الأدلة في القانون المصري. |
• The arbitration will be conducted in accordance with the Rules of Civil Procedure applicable in Cairo Southern District Court, and the arbitrators shall follow the Rules of Evidence of the Egyptian law.. |
وتؤدي محاولة إجراء التحكيم بموجب قواعد مصممة خصيصا لنوع مختلف تماما من الإجراءات إلى تعقيدات متوقعة وتكاليف لا لزوم لها. إذ يتعين على المحكمين على أن يقرروا ما إذا كانت القواعد المحلية لمحكمة جنوب القاهرة الكلية ستطبق، وكيف يتم تطبيقها، فضلا عن كثير من الإجراءات التي يحاول الناس اللجوء إلى التحكيم للهروب منها.
والشيئ نفسه يحدث عندما لا يكون الطرفان على استعداد للثقة في نتيجة التحكيم، ومن ثم، يتفقان على أن تراجع المحكمة حكم التحكيم.
مثال:
• يجوز لمحكمة ..... التي يُعقد التحكيم في منطقة ولايتها القضائية أن تراجع قرار المحكمين من حيث الأخطاء في مسائل الواقع والقانون. |
• The award of the arbitrators may be reviewed for errors of fact and law by the Court in whose jurisdiction the arbitration is held. |
. الغبن overreaching
أحيانا، لا يستطيع صائغ بند التحكيم أن يقاوم الإغراء بأن يجعل عملية التحكيم تميل إلى صالحه. وتسمى هذه الخطئية "الغبن". ويحدث ذلك بطريقة واضحة في عقود الإذعان. ومثال سيئ السمعة على ذلك ما ورد في بند التحكيم الذي وضعته سلسلة مطاعم "هوترز" Hooters في عقود العمل التي وضعتها. وفيما يلي هذا البند:
• يختار كل من العامل وهوترز محكما، ويختار المحكمان المختاران المحكم الثالث، ولكن يجب اختيار كل الثلاثة من قائمة أعدتها هوترز، ولها سيطرة مقصورة عليها وغير مقيدة على من هم مسجلين فيها. |
• The employee and Hooters each will select an arbitrator, and the two so selected were to pick the third arbitrator, but all three have to be chosen from a list created by Hooters, which has exclusive and unrestricted control over who is on the list.
|
• ما من شيئ في بند التحكيم هذا أو في قواعد هوترز يوجب على المحكمين أن يكونوا محايدين تجاه هوترز أو مستقلين عنها. |
• Nothing in the arbitration clause or the Hooters' rules requires the arbitrators to be impartial or independent of Hooters. |
• يجب على العامل أن يقدم مع مطالبته قائمة بكل شهود الوقائع، تحدد الوقائع التي يعرفها كل منهم، ولكن هوترز ليست مطالبة بأن تقدم أي إخطار بدفوعها |
• The employee is required to file with her claim a list of all fact witnesses, specifying the facts known to each, but Hooters is not required to file any notice of its defenses. |
• يجوز لهوترز طلب أي إجراء مستعجل, ولكن لا يجوز للعامل ذلك. |
• Hooters is permitted to move for summary disposition, but the employee is not. |
• يجوز لهوترز أن تعدل وضعها، ولكن لا يجوز للعامل ذلك |
• Hooters may amend its position, but the employee may not. |
• يجوز لهوترز أن تسجل المرافعة، ولكن لا يجوز للعامل ذلك. |
• Hooters may record the hearing, but the employee may not. |
• يجوز لهوترز أن تعدل قواعد التحكيم عمدا وبدون إخطار العامل. |
• Hooters may modify the arbitration rules at will and without notice to the employee. |
• يجوز لهوترز، ولكن لا يجوز للعامل، أن تختار إلغاء عقد اللجوء إلى التحكيم. |
• Hooters, but not the employee, has the option to cancel the agreement to arbitrate. |
وفي أثناء نظر القضية أمام محكمة الموضوع، قال شاهد بارز أمام المحكمة "إن هذا البند أكثر بند تحكيم غير نزيه صادفته في حياتي". وخلصت المحكمة إلى أن أنسب علاج لهذا البند المنحاز، هو عدم إنفاذه. وقالت المحكمة في حكمها "لقد اتفق الطرفان على إخضاع مطالبهما للتحكيم؛ وهو نظام بمقتضاه يحل طرف آخر محايد النزاع بين الطرفين بنزاهة. وبوضع نظام مخجل لا يستحق اسم التحكيم، تكون هوترز قد قصرت تماما في تنفيذ واجبها التعاقدي، وخالفت أيضا التزاما تعاقديا بالتصرف بمقتضى حسن النية. ومن ثم، فإن تصرف هوترز بموجب العقد يكون ظالما جدا لدرجة أنه لا يمكن وصفه بأنه تحكيم على الإطلاق.
وتنص المادة (4) من قانون التحكيم المصري رقم 27 لسنة 1994 على أن لفظ "التحكيم" في حكم هذا القانون "ينصرف...إلى التحكيم الذي يتفق عليه طرفا النزاع بإرادتهما الحرة سواء كانت الجهة التي تتولى إجراءات التحكيم، بمقتضى اتفاق الطرفين، منظمة أو مركز دائم للتحكيم أو لم يكن كذلك." ومعنى ذلك، أن الأصل في التحكيم هو مبدأ حرية الإرادة، وبدونها يبطل اتفاق التحكيم.
8. التنبؤ بالغيب
يُقصد بالتعامل مع المجهول، تلك البنود المصاغة بطريقة قد تؤدي إلى حدوث نزاع حول تفسير بند التحكيم، أو قد تؤدي إلى فشله، أو عدم إنفاذ حكم التحكيم. ويجب التعرف على أوجه القصور في هذه البنود، وتشخيص أسبابها، وعلاجها قبل أن يترتب عليها إبطال اتفاق التحكيم أو عدم إنفاذه.
أمثلة:
تعيين شخص بالاسم محكما في بند التحكيم، لكن وقت النزاع، قد يكون قد مات أو يرفض تولي التحكيم.
في إحدى القضايا، حكمت المحكمة بعدم اختصاصها بتعيين بديل عن محكم استقال من عمله، وكان محددا بالاسم في بند التحكيم (انظر قضية: Marcus v. Meyerson, N.Y. 1958)
تكليف شخص بتعيين المحكمين على أساس منصبه (رئيس مؤسسة تحكيمية، مثلا).
مثل هذا التكليف أمر محفوف بالمخاطر، لأن الشخص الذي يشغل ذلك المنصب غير مُلزم بأن يفعل ذلك، وقد لا يستمر في إجراء هذه التعيينات في المستقبل.
9. التفويض الغامض
رغم أن الأطراف في البداية هي التي تختار المحكمين، فإنه مع السير في إجراءات التحكيم تصبح هيئة التحكيم هي المتحكمة في إجراءاته وفي الفصل في النزاع وفقاً لوقائع الدعوى، والقواعد التي تحكم إجراءاتها، وقبل كل ذلك، حدود التفويض الذي منحه لها الأطراف أنفسهم فى حدود ما يسمح به القانون واجب التطبيق، وأية سلطات إضافية قد يمنحها لها القانون.
ويمنح الأطراف السلطات التى يرغبون فى أن يمارسها المحكمون عن طريق تحديدها صراحة فى شكل وثيقة عمل المحكمين terms of reference، ويطلق على ذلك اسم "التفويض المباشر" direct mandate. لكن المحكمين قد يمنحون بعض السلطات بشكل غير مباشر فى حالة إجراء التحكيم وفقا لقواعد التحكيم الدولية أو قواعد مؤسسات التحكيم، حيث تمنح تلك القواعد سلطات خاصة لهيئة التحكيم. فعلى سبيل المثال ، تمنح قواعد تحكيم اليونسترال سلطة عامة لهيئة التحكيم في إدارته بالطريقة التى تراها مناسبة بشرط أن يعامل الأطراف على قدم المساواة، وأن يحصل كل طرف على فرصة كاملة لعرض قضيته فى كل مرحلة من الإجراءات (المادة 15-1).
ومن هذه السلطات، مالم يتفق الطرفان على غير ذلك، سلطة تحديد مكان التحكيم، واللغة أو اللغات التى ستتم بها الإجراءات، والقانون واجب التطبيق على موضوع النزاع. وكذلك تتمتع هيئة التحكيم بسلطة تحديد الفترة التى يجوز فيها تقديم بيان الادعاء وبيان الدفاع وسلطة تعيين الخبراء (المادة 15، الفقرتان 2 و3).
وفيما يتعلق بالسلطة التي يمنحها الأطراف لهيئة التحكيم، يجب إعطاء تفويض واضح وكامل للمحكمين لتسوية النزاع. وبمجرد اختيار المحكمين، يجب الاتفاق بينهم وببين الأطراف على وثيقة عملهم terms of reference وتوقيعها. وتحدد هذه الوثيقة سلطات ونطاق تفويض المحكمين، وفي الغالب، تكون موضع جدل في حالة المطالبات التي تنشأ بين الطرفين. ومن ثم، يجب أن تتضمن وثيقة عمل المحكمين تحديداً دقيقاً لنطاق صلاحيات المحكمين. وبموجب معظم قوانين التحكيم في الدول العربية، يمكن أن يُحكم ببطلان بند التحكيم إذا تجاوز المحكمون نطاق صلاحياتهم. وعلى سبيل المثال، تنص المادتان (52-2) و (53-و) من قانون التحكيم المصري رقم 27 لسنة 1994 على أنه "يجوز رفع دعوى بطلان حكم التحكيم .... إذا فصل في مسائل لا يشملها اتفاق التحكيم أو جاوز حدود هذا الاتفاق ....".
أمثلة:
أي نزاع ينشأ بين الطرفين بسبب أوامر التغيير تتم تسويته بطريق الوساطة، على أن يُحل أي نزاع ينشأ عن المطالبات بطريق التحكيم“.
كيف نميز بين الحالتين؟ وماذا يحدث لو فشل حل النزاع حول أوامر التغيير بطريق الوساطة ؟ هل سيحال إلى المحاكم أم إلى التحكيم؟
في إحدى القضايا، كان بند التحكيم بعنوان ”اختيار مكان المحاكمة“ ونص البند على ما يأتي ”في حالة نشوب نزاع، يتعهد الطرفان بالخضوع للتحكيم، ولكن، في حالة التقاضي يكون الاختصاص حصريا لمحكمة .....“
الخلط بين المشكلات "الفنية"، التي يُتفق على حلها بواسطة خبراء، والمشكلات "القانونية"، التي يُتفق على حلها بطريق التحكيم.
في قضية أخرى، كان بند التحكيم ينص على ما يأتي ”في حالة حدوث أي نزاع لم يتم حله، يُحال الأمر إلى غرفة التجارة الدولية“، لكن البند لم يقل ما إذا كان النزاع ستتم تسويته بطريق التحكيم، أم بغيره.
قصر أسباب النزاع على تفسير العقد أو تطبيقه أو تنفيذه
في رأينا، لا داعي لقصر أسباب النزاع على هذه الحالات فقط، ويمكن الاكتفاء بعبارة ”يتعلق بهذا العقد“، فهي تغطي أي سبب للنزاع.
بند آخر نص على ما يأتي ”التحكيم: تُحل كل المنازعات بالطرق الودية.“
10. اللغو في الكلام
يُقصد بهذه الخطيئة إدراج عبارات في بند التحكيم لا لزوم لها، أو من شأنها أن تقيد معناه.
مثال:
في قضية Italian Enterprise v. Syrian Enterprise ، نص العقد في بند منفصل على أن القانون واجب التطبيق هو القانون السوري، لكن بند التحكيم تضمن عبارة تنص على أن ”يحكم المحكمون طبقا للمبادئ العامة للقانون والعدالة“.
حاول محامو الطرف السوري الدفع بأن هذه العبارة لا تسري إلا على قانون الإجراءات وقانون التحكيم لورودها في بند التحكيم، لكن هيئة التحكيم رفضت هذا الدفع وقضت بأن النية المشتركة للطرفين لم تكن كذلك، وحاولت التوفيق بين هذه العبارة وبند القانون واجب التطبيق، فطبقت القانون السوري لكنها قضت بأن العبارة تقيد نطاق القانون السوري لحماية الطرف الخاص من أية أحكام مرهقة ينص عليها القانون قد لا تكون في صالحه (القضية التحكيمية رقم 3380 بتاريخ نوفمبر 1980 أمام غرفة التجارة الدولية).